ثورة الملك والشعب .. ضد مغرب يسير بسرعتين

20 أغسطس 2025آخر تحديث :
ثورة الملك والشعب .. ضد مغرب يسير بسرعتين
ثورة الملك والشعب .. ضد مغرب يسير بسرعتين

بقلم محمد الحيمر:

غير أنه مع الأسف، ما تزال هناك بعض المناطق، لاسيما بالعالم القروي، تعاني من مظاهر الفقر والهشاشة، بسبب النقص في البنيات التحتية والمرافق الأساسية.

وهو ما لا يتماشى مع تصورنا لمغرب اليوم، ولا مع جهودنا في سبيل تعزيز التنمية الاجتماعية، وتحقيق العدالة المجالية.

فلا مكان اليوم ولا غدا، لمغرب يسير بسرعتين”. (مقتطف من الخطابي الملكي السامي بمناسبة عيد العرش لهذه السنة).

أليس هذا المقتطف من الخطاب الملكي، مقتطفا ثائرا؟ ألا يشعر المتلقي بأن صاحبه يسعى إلى الثورة على واقع لا يعكس المجهودات التي يبذلها من أجل تحقيق غايات وأهداف فضلى لشعبه؟ ألا تشدك تلك الكلمات الحمالة لمعاني الثورة والتغيير، من قبيل “مع الأسف…المعاناة…الفقر والهشاشة…النقص في البنيات التحتية والمرافق العامة…لا يتماشى…فلا مكان اليوم ولا غدا، لمغرب يسير بسرعتين”؟

 

وفي الوقت نفسه، يحمل المقتطف عبارات الأمل في التغيير، والرغبة في تحسين الأوضاع، وهي تشخيص لواقع الحال، ومنفتحة في نفس الآن على المستقبل…من قبيل “تصورنا لمغرب اليوم…جهودنا…التنمية الاجتماعية…العدالة المجالية”. إن هذه العبارات تعكس بعض مقومات “الخطاب الثائر”، والمتمثلة في تشخيص الواقع بصدق، والتعبير عن رفض كل ما هو سلبي فيه، والحرص على تقديم البدائل لتجاوز الأعطاب.

 

إن هذا المقتطف لا يمكن عزله عن السياق العام الذي ورد فيه، فهو حلقة من حلقات التغيير والبناء التي يعرفها المغرب المستقل. لقد كانت البدايات مع القولة الشهيرة التي رددها المغفور له جلالة الملك محمد الخامس، حين تحدث عن الخروج من الجهاد الأصغر والدخول في الجهاد الأكبر. لقد عرف الجهاد الأصغر استشهاد من استشهد من الثوار والمقاومين للاستعمارين الفرنسي والاسباني، وسجن من سجن من أعضاء الحركة الوطنية، الذين تبنوا “النضال السياسي”. وبعد الاستقلال انطلق الجهاد الأكبر، جهاد بناء الدولة المغربية الحديثة، واستمر هذا الجهاد مع المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني، الذي ناضل من أجل بناء مغرب حديث وحداثي، مستكملا لوحدته الترابية من طنجة على الكويرة، وخلفه جلالة الملك محمد السادس، الذي يواصل رحلة الجهاد الأكبر الذي أوصى به جده.

 

كما أن جلالة الملك ما فتئ يؤكد في العديد من المناسبات على أن ثورة الملك والشعب، تعد ثورة متواصلة ومتجددة على الدوام، وأسوق بالمناسبة مقتطفا من الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب لسنة 2010، حيث قال جلالته:”…وعندما نخلد هذه الملحمة المجيدة، فليس لكونها حدثا بطوليا مضى وانقضى؛ وإنما باعتبارها ثورة متواصلة…”.

 

إلا أن هذه الثورة المتواصلة، لا يمكنها أن تحقق النتائج المرجوة منها، إلا بالانخراط الجماعي لجميع مكونات الشعب المغربي فيها: أحزابا سياسية بمختلف مرجعياتها وتوجهاتها، وإدارة بكل أشكالها ومكوناتها، ومجتمع مدني بكل أطيافه وتلويناته، والمواطنون أينما كانوا وكيفما كانوا…فالثورة ليست ثورة الملك وحده…إنها ثورة الملك والشعب…

 

فعليك أيها الشعب أن تؤمن بقدرتك على التغيير…هذه القدرة التي تستمدها من تشبتك الراسخ بمقدساتك، وبثوابتك الجامعة، متمسكا بقيم ومبادئ المواطنة الحقة، المواطنة الإيجابية، المواطنة الفاعلة، المواطنة البناءة، لا مواطنة التهرب من المسؤولية، أو مواطنة التسابق إلى الكراسي لقضاء المآرب الآنية، أو مواطنة التعالي على خلق الله، والتلاعب بمصالحهم تحت ذريعة القانون يعلو ولا يعلى عليه، أو مواطنة التكاسل والتهاون في تأدية الواجب، أو مواطنة أنا ومن بعدي الطوفان، أو مواطنة بيع الثمين بثمن الزاهدين…

 

لقد تحدت صاحب الجلالة عن المواطنة في الكثير من الخطب، من بينها خطاب ثورة الملك والشعب لسنة 2004، حيث قال جلالته: “…إن المواطنة التي نريدها، لا ينبغي أن تختزل في مجرد التوفر الشكلي على بطاقة تعريف أو جواز سفر، وإنما يجب أن تجسد في الغيرة على الوطن، والاعتزاز بالانتماء إليه، والمشاركة الفاعلة في مختلف أوراش التنمية، التي فتحناها، وطنية كانت أو جهوية أو محلية، وتوسيع إشعاعه العالمي.

 

فأن تكون مغربيا معناه الجمع بين التشبع بثوابت الهوية المغربية الموحدة، الغنية بتعدد روافدها، وتقاسم القيم والتطلعات المشتركة للأمة، وبين التفاعل الايجابي مع مستجدات حضارة العصر، والانخراط في مجتمع المعرفة والاتصال…”.

 

كما تحدث جلالته قبل 20 سنة، في خطاب افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان بتاريخ 14 أكتوبر 2005، عن ثنائية “المشي المختل” و”المواطنة الإيجابية”، حيث قال جلالته كلاما بليغا، من أجل تطوير المغرب، جاء في بعض منه ما يلي:” ولوضع حد لهذا المشي المختل على قدم واحدة، فإنه يتعين على الجميع، الإقدام على إيجاد حلول ناجعة لها، في الوقت الملائم، وبقرارات جريئة وفعالة، والتخطيط العقلاني والمحكم، الذي هو ثمرة التربية الصالحة، والتنشئة السياسية والاجتماعية التشاركية. ومن ثمة كان تركيزنا على بناء ثقافة المواطنة الإيجابية. بكل ما تعنيه من تحول إلى عقلية المواطن الفاعل-المبادر، والمشارك-المنتج، بدل السلبية والتواكلية والانتظارية. وهو ما يتطلب النفس الطويل، الذي يرتبط فيه تقدم المواطن بقابليته للتقدم. ذلك أنه لا يمكن تطوير المغرب، إلا بسواعد أبنائه وعقولهم، والسعي الحثيث في سبيل تغيير ما بأنفسهم. كما أنه لا يمكن إصلاح البلاد بدون صلاح العباد (…).

 

فثورة الملك والشعب هي ثورة بالأساس ضد مغرب يسير بسرعتين، فعليكم أيها المسؤولون، أيها الذين تحملون أقلاما للتوقيع بحجم الجبال، أيها الذين تصدرون الأوامر باسم القانون، ولا شيء غير القانون، أيها الذين تتسابقون لنيل المقاعد باسم الشعب، أيها النائمون على الأرصفة تنتظرون رزقا من الغيب، أيها الذين تراكمون الثروة بطرق شتى…أيها الذين ترمون النفايات على الطرقات جهارا…أيها النحن…أن نتحد وراء ملكنا لننجح ثورة الملك والشعب التواصلة منذ زمن الجد…فلا نجاح لثوة بالكسالى والتقاعسين وخائني الأمانات…اللهم إني قد بلغت…اللهم فاشهد.

الاخبار العاجلة