
بقلم: بلالي السويح: عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية
منذ طرح المغرب سنة 2007 لمبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي ونهائي لنزاع الصحراء، تشهد الساحة الإقليمية والدولية تحولات متسارعة جعلت من هذا المقترح المغربي مرجعًا أساسيًا في المقاربة الأممية لتسوية الملف، خصوصًا في ظل تنامي التأييد الدولي له وتراجع البدائل التقليدية التي ظلت لعقود تراوح مكانها.
فقد شكّلت رؤية المغرب، القائمة على دبلوماسية نشطة وتنمية شاملة في الأقاليم الجنوبية، دعامة أساسية لتعزيز مصداقية المبادرة. وقد حولت هذه السياسة المتكاملة الصحراء المغربية إلى رافعة للاستقرار ومركز جذب للاستثمار، في منطقة تعج بالتوترات والاضطرابات الجيوسياسية.
المغرب ورسم خرائط جديدة للتحالفات:
في خضم التوتر العالمي بين القوى الغربية وكتلة روسيا–الصين، برز المغرب كفاعل استراتيجي محوري في شمال غرب إفريقيا. وقد مكّنه موقعه الجغرافي، وخياراته السياسية البراغماتية، من إعادة تموقعه داخل النظامين الإقليمي والدولي.
الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء في عهد الرئيس دونالد ترامب، واستمرار نفس الموقف خلال إدارة جو بايدن، منح المبادرة المغربية زخمًا دبلوماسيًا غير مسبوق. كما أن الحديث عن إمكانية نقل القاعدة العسكرية الأمريكية من جنوب إسبانيا إلى الأراضي المغربية يؤكد الدور المتقدم الذي باتت تلعبه المملكة في حسابات واشنطن الأمنية.
أوروبا.. دعمٌ يتجاوز المواقف الثنائية:
تُعد إسبانيا وفرنسا من أبرز الدول الأوروبية التي عدّلت مواقفها بشكل جذري لصالح الطرح المغربي، معتبرة مبادرة الحكم الذاتي قاعدة واقعية ووحيدة للحل.
وقد أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في زيارته إلى البرلمان المغربي سنة 2024 على تطابق رؤية بلاده مع المغرب، ضمن مسار تحالف استراتيجي جديد.
كما عبّرت كل من ألمانيا، هولندا، وبريطانيا عن مواقف مماثلة، في ظل توافق دولي واسع بات ينظر إلى المغرب كشريك موثوق في ملفات الأمن، الطاقة، والهجرة.
الساحل والصحراء.. محور أطلسي جديد:
في سياق الانسحاب الفرنسي من منطقة الساحل، واندماج مالي والنيجر وبوركينا فاسو في كونفدرالية جديدة بدعم روسي، تحرك المغرب لإطلاق مبادرة “الولوج إلى الأطلسي”، وهي خطوة تهدف إلى ربط دول الساحل بالمحيط الأطلسي، مما يمنح الرباط بعدًا جيواستراتيجيًا متقدمًا في المنطقة.
هذا التموقع يُشكل نقطة ارتكاز في تعامل المغرب مع أوروبا، ويعزّز حضوره كلاعب إقليمي قادر على التكيف مع التحولات الجيوسياسية الكبرى.
تحولات مقلقة: إيران، تركيا، والصين:
التغلغل الإيراني في الصحراء والساحل، ودعم جبهة البوليساريو بطائرات مسيرة، بات مصدر قلق حقيقي للغرب، الذي تنبّه لهذه المخاطر في منتديات أمنية كُشف خلالها عن مدى خطورة هذا التدخل على استقرار المنطقة.
في المقابل، ورغم تنويع المغرب لعلاقاته مع الصين وروسيا، إلا أنه نجح في الحفاظ على توازن دقيق بين الشرق والغرب، مع ضمان ولاء استراتيجي للضفة الغربية من الأطلسي.
إفريقيا.. المقاربة التنموية بديلاً عن الأيديولوجيا:
على مستوى القارة الإفريقية، تبنّى المغرب خطابًا تنمويًا واضحًا بديلاً عن الخطاب السياسي التقليدي، ما جعله يحظى بتأييد واسع داخل الاتحاد الإفريقي، وقلّص من مساحة التعاطف مع الطرح الانفصالي.
دول مجلس التعاون الخليجي، بدورها، كرّست هذا الاتجاه من خلال مواقف سياسية واضحة تؤيد الوحدة الترابية للمملكة، مدفوعة بتشابك مصالحها الاستراتيجية مع المغرب، لا سيما في ظل الشراكات الاقتصادية والتقنية المتنامية.
خلاصة:
إن المقاربة المغربية في ملف الصحراء، القائمة على مبادرة الحكم الذاتي، لم تعد مجرد مشروع سياسي داخلي، بل تحولت إلى عنصر فاعل في إعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية في إفريقيا، والمتوسط، والعالم. نجاح المملكة في حشد الدعم الإقليمي والدولي يؤكد أن هذه المبادرة ليست فقط واقعية، بل أيضًا قابلة للتطبيق، ومؤهلة لتكون الأساس الوحيد لأي تسوية مستقبلية لهذا النزاع الذي طال أمده.




